التشخيص العلمي لأسقام منظومتنا التربوية أظهر التناقضات التالية :
تم نشره في الاسبوع الصحفي سنة 2010
– في الوقت الذي تم فيه تضييع وظيفة « التعليم اللغوي » بطور التعليم الابتدائي، زدنا إعاقة صبياننا تفاقما بتدريسهم معارف ومفاهيم لا قدرة لهم على استيعابها (تضخم معرفي كمي ونوعي هائل)؛
– في الوقت الذي أصبح رجال التعليم ما قبل الجامعي مطالبين بتدريس ما يتجاوز مؤهلاتهم المعرفية (إلى حد بعيد في بعض الأحيان)، افتقدوا التكوين المستمر الذي يُحيّن معارفهم ويجددها (خاصة المدرّسة منها)، الذي عُوض بالإدمان على المقاربات (بل المفارقات) البيداغوجية العبثية؛
– الإدمان على الدردشات البيداغوجية (الأهداف، الكفايات، الإدماج، الفارقية، والدور على الفالقية) العقيمة، ارتبط بالاستعمال الفوضوي المكثف لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (TIC)، بحيث يتم اختزال التعلم في بعض التقنيات البسيطة من قبيل « كب » و »كول » (copier – coller) لتكوين « بلاجيا » عبثية، تؤشر على إضاعة مسارات التعلم والتكوين؛
– في الوقت الذي يُطلب فيه من المدرسين بالأطوار التعليمية ما قبل الجامعية تدريس ما لم يدرُسون (فاقد الشيء لا يعطيه)، لم يسعفهم الكتاب المدرسي الذي توثق لتشوهات معرفية وأخطاء علمية خطيرة، في بعض الأحيان (الحاجة ماسة لمن يتعهده بالعناية المكثفة لإصلاح أحواله)؛
– في الوقت الذي أصبحت فيه التكوينات الجامعية، في إطار الإصلاح البيداغوجي « ل م د » (LMD)، ضيقة (متخصصة) وقصيرة جدا زمنيا، يطلب ممن سيتوجهون للتعليم الإعدادي والثانوي بتدريس ما لا دراية لهم به، ما لم يدرسونه ويتعلمونه؛
– في الوقت الذي تدهور فيه المستوى اللغوي لتلامذتنا تدهورا حادا، وعرفت المعارف والعلوم المدرّسة تضخما معرفيا مهولا (تضخم نوعي وكمي)، عرفت معدلات النقط والنسب المئوية للنجاح تضخما موازيا، بحيث لا تتوقف النسب المأوية للنجاح بميزة « حسن » وحتى « حسن جدا » عن الارتفاع، في تحد صارخ لمقتضيات التفكير السليم؛
– في الوقت الذي أصبح فيه مطلوبا تخصيص طور التعليم الثانوي بأساتذة متخصصين (أستاذ لعلوم الأرض وآخر لعلوم الحياة، أستاذ للفيزياء وآخر للكيمياء، الخ) بسبب التضخم المعرفي المعجز، تم تبني مشروع المدرس المتعدد التخصصات في تحد صارخ لأبجديات المنطق السليم؛
– في الوقت الذي يتم فيه تركيز التكوين المستمر على المقاربات البيداغوجية كوسيلة سحرية لمواجهة التدني المستمر في المستوي اللغوي والمعرفي للتلاميذ والطلبة، وحتى المدرسين في السنين الأخيرة، أسس البرنامج الاستعجالي لظاهرة التوظيف المباشر لخريجي الجامعات العاطلين؛
– بالرغم من التدهور الحاد للمستوى اللغوي والمعرفي لتلامذتنا وطلابنا، أسس البرنامج الاستعجالي لإنجاح حتى الأميين ليتم الدفع بالتدهور إلى أدنى الحدود، ولاستكمال دورة الرداءة لتصبح قادرة على اعادة انتاج نفسها بنسق متسارع وأكثر رداءة؛
– تآكل الحد الفاصل بين التعليم العمومي والتعليم الخاص وتلاشيه مع مرور الزمن، بحيث ضيعت هوية التعليم العمومي، بعد أن تحوّل إلى تعليم « خاص مموه »، مؤدى عنه، لكن من تحت الطاولة؛ فحتى النقط أصبحت، في بعض الأحيان، تمنح للتلاميذ نظير مقابل مادي، في الوقت الذي تحولت فيه الأقسام لأماكن لأخذ قسط من الراحة من طرف أولئك الذين يتعبون من التدريس في أماكن التعليم الخصوصي.
كل هذه التناقضات الصارخة أدت إلى أبشع وأخطر أنواع الهدر المدرسي الذي تدور أطواره بين جدران المؤسسات التربوية وداخل أقسامها، في الوقت الذي تم فيه رفع شعار محاربة الهدر المدرسي الأخف ضررا، المتمثل في انقطاع التلاميذ عن الدراسة، وخروجهم إلى الشارع لتعلم ما قد يفيدهم في حياتهم من حرَف وما إلى ذلك، بدل احتلاله، وفي جيوبهم مسميات لدبلومات وشهادات جامعية لا تؤهلهم لولوج للعمل، مما يجعلهم يشكلون خطرا على الأمن المعرفي والاجتماعي للبلاد. ثم لا بد من الإشارة لما يسمى « التعليم الأولي »، للقول أنه خارج عن السياقات التربوية والتعليمية والبيداغوجية و »النرو-فسيولوجية » (neuro-physiologique) الطبيعية؛ لا يتعلق الأمر بتعليم، بل بتعويم أولي وتمييع، بل بتشويه مبكر لأدمغة أطفالنا واعطابها، مع ما يترتب على ذلك من اعاقة تربوية تعليمية، من الصعب تجاوزها فيما بعد.
أ. د. عبد الله لخلوفي
رئيس مركز الدراسات والأبحاث والتقييم
للتربية والتكوين